أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
تمرُّ بالمرء في حياته الدنيا بلاءات متعددة، منها الشديد الذي يُدمي القلوب لشدَّته ومنها الهين المحتمل؛ لكن ثمة أمور جليلة هي من أهم عوامل الثبات في الشدة والبلاء وأرى أن أعظمَها على الإطلاق أن يكون الله جل جلاله هو ربك وإلهك ومولاك. فكلما اشتدَّ البلاءُ علمت أنك تستند إلى رُكنك الشديد الذي لا يُضاهيه ركنٌ، فتتوجَّه بقلبك إليه وحده، وتُوقِن أنه يرى دمع عينك ويسمع أنين صوتك ودعواتك، مُطَّلع على قلبك الراضي عن قدره الذي يجري لحكم هو جل جلاله فقط من يعلمها. تبكي وتبكي وتبكي؛ولكنك تُوقن أنه سيمحو عنك ما أهمَّك؛ لا لثقتك بمكانتك عنده ولكن لعلمك الراسخ أنه جوَاد كريم جبَّار مُدبِّر مُقتدر، بيده مقاليد السماوات والأرض. فالله ربُّنا، ملكُ الملوك، بديع السماوات والأرض، هو ملاذُ المكروبين والمذنبين التائبين، يُنادي عليهم كل ليلة: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ نعم أعلم أن الجميع يعرف الحديث؛ لكن هل دار بخلدك يومًا أن يُناديك ملكٌ من ملوك الدنيا ويتبسَّط معك، ويدعوك أن تتمنَّى حتى يُلبِّى لك أُمنيتك، حاول أن تتخيَّل ذلك الموقف، وانظر كيف ستكون فرحة قلبك! ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، هو ملك الملوك على كل شيء قدير يتنزَّل نزولًا يليق بمقامه وجلاله؛ ليمتنَّ على عباده الفقراء إليه بقضاء حوائجهم فيا لفرحة قلوبهم به! ما أسعدَهم من عباد بربهم الكريم القدير جل جلاله! ناداه أيوب لَما بلغ أمره مبلغًا عظيمًا بعرض بلائه عليه فقط: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]. ناجاه يونس في بطن الحوت في ظلمات بعضها فوق بعض: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]. وغيرهما كثير من أصحاب الكربات والبليَّات، فلبَّاهم بمحو البلاء وعوَّض عما مرَّ بهم لا يملِك مثله إلا هو جل جلاله، وتقدَّست أسماؤه، فالدُّعاء أعظم سلاح للمؤمن في وجه البلايا أدعوك لتقرأ معي هذه الآية بعيني قلبك: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] أنعم وأعظم بها من عطية يجود بها علينا ربنا الكريم العظيم! ادعُ فقط فسيستجيب، هذا وعد يعدك به ربُّك، ادع موقنًا متوكِّلًا عليه، ولا يعجزك حزنك ويأسك وشيطانك ادع بجماع قلبك، فيدُ ربِّك مليئة، سحاء الليل النهار. وكذلك من أعظم المعينات على البلاء، وجود القرآن كلام الله بين أيدينا، فمن يرزق الحياة به ومعه على أنه رسائل من الله حتمًا سيترنَّم به قلبه؛ لأنه رسائل العظيم الذي حجابه النور، رزقنا الله وإيَّاكم رؤية وجهه الكريم وهو عنا راضٍ. فقد يحدث أن يمرَّ بك بلاء وتقرأ أو تسمع قول الله جل جلاله: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: 48]، لو فقه قلبُك أن هذا القول لك في هذه اللحظة التي تعاني فيها مُرَّ البلاء، ستجد حينها مشاعرك تضطرب بين حبٍّ لهذا الرب العظيم يغمُرك وبين رضا وسكينة تشملك، تجود عينك بدمع مدرارٍ فرحًا بما أوتيت من نعمة عظيمة ورسالة جليلة من ربك، تسمع دقَّات قلبك تهتف: من أنا حتى يرعاني الله على عينه؟! فأنا العاصي المذنب المقصِّر، أنا ذرة رملٍ في كون ربى العظيم، فيُوقظك إيمانك هاتفًا: إنه الله ليس لكرمه وجوده حدٌّ إنه الله ليس لرحمته وحلمه وصف: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37] فالحمد لله أن الله هو ربنا وكفى به وكيلًا وهاديًا ونصيرًا. وهنا أهمس إلى قلبك المحزون: ممَّ تَحزن والله كافيك؟ ممَّ تخشى والله هاديك؟ ممَّن تخاف والله نصيرك؟ لُذْ ببابه منقطعًا، وادع بتذلُّل وخضوع ويقين، فسيستجيب بمنِّه وجُوده، ولا تتعجَّل فتدبيره لك خيرٌ من تدبيرك لنفسك والتأخير لحكمٍ جليلات لا يعلمها إلَّا ربُّ الأرض والسماوات، فليطمئن قلبك ولتسكُن نفسُك، فإن فرجه آتٍ: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: 4، 5]. اللهم أخلِص إيماننا وتوحيدنا، واملأ قلوبنا بمعرفتك وحبك وتعظيمك وخشيتك، وارض عنا وارزقنا حبك، وحبَّ مَن يُحبك، وحب عملٍ يُقرِّبنا لحُبِّك.